الفصل الحادي عشر::
=============
الغزوات وحرب المشركين
==============
غزوة بني قينقاع::
===========
في فرحة المسلمين بانتصارهم في بدر ،
لم يستح أولئك اليهود
أن يقولوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
(( لا يغرنك انك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب
فأصبت منهم فرصة ،
أما والله لئن حاربناك
لتعلمن أنا نحن الناس !! ))
وقد نزل الوحي ينذر هؤلاء
بسوء المنقلب :
(( قل للذين كفروا ستغلبون
وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد
. قد كان لكم آية في فئتين التقتا
فئة تقاتل في سبيل الله ،
وأخرى كافرة ،
يرونهم مثليهم رأي العين ،
والله يؤيد بنصره من يشاء
إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ))
كان اليهود في المدينة
يلعبون لعبة خطرة
بين قبيلتي الاوس والخزرج ،
أهم قبائل المدينة ،
وجاء الرسول صلى الله عليه وسلم
بدعوة مباركة أيدها الأنصار
الذين بايعوه في بيعتي العقبة الأولى والثانية .
وكان أول عمل قام به عليه الصلاة والسلام
بعد دخوله المدينة
هو المؤاخاة بين قبيلتي الاوس والخزرج
ووضع حدا للصراع الذي كان بينهما ،
فعاشت المدينة في سلم وأمان
مطمئنين تحت راية الإسلام
واليهود كانوا مجموعة من الطوائف
أغناهم بنو قينقاع ،
لأنهم كانوا يشتغلون في صناعة الحلي والذهب والفضة ،
وكانت أماكنهم التي يعيشون فيها محصنة ،
وهم بطبيعة الحال لا يحملون خيرا في أنفسهم للمسلمين ،
بل يحقدون عليهم ،
فنزل في ذلك قرآنا يصف موقفهم هذا
. قال الله تعالى :
(( قد بدت البغضاء من أفواههم
وما تخفي صدورهم أكبر )) .
وكان سبب الغزوة
لما حدث لتلك المرأة المسلمة
زوج أحد المسلمين الأنصار ،
التي كانت في السوق
فقصدت أحد الصاغة اليهود لشراء حلي لها ،
وأثناء وجودها في محل ذلك الصائغ اليهودي ،
حاول بعض المستهترين من شباب اليهود
رفع حجابها والحديث إليها ،
فتمنعت ونهرته .
فقام صاحب المحل الصائغ اليهودي
بربط طرف ثوبها وعقده إلى ظهرها ،
فلما وقفت ارتفع ثوبها
وانكشفت مؤخرتها .
فاخذ اليهود يضحكون منها
ويتندرون عليها فصاحت تستنجد من يعينها عليهم .
فتقدم رجل مسلم شهم رأى ما حدث لها ،
فهجم على اليهودي فقتله ،
ولما حاول منعهم عنها وإخراجها من بينهم
تكاثر عليه اليهود وقتلوه
وثار المسلمون لمقتل صاحبهم
ونقض اليهود حلفهم مع الرسول ،
وتظاهروا لقتال المسلمين ،
وكانوا أول يهود ينقضون عهدهم
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
لقد حاولوا هتك عرض امرأة مسلمة شريفة ،
وقتلوا مسلما ثار لشرف المسلمة ،
وهاهم يستعدون لقتال المسلمين ،
هذا شأنهم في كل العصور .
ولما تنافر الفريقان
واستنفر كل منهم أصحابه وأعوانه
وصل الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فغضب عليه الصلاة والسلام اشد الغضب
وقال
(( ما على هذا أقررناهم ))
ولما علم المسلمون بهذا الخبر
هبوا لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم
لتأديب هؤلاء القوم وإخراجهم من بلدة طيبة
التي يسكنها افضل خلق الله
وهو الرسول صلى الله عليه وسلم ،
وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم ،
لقتال هؤلاء القوم الذين خانوا عهدهم
طاعة لأمر الله تعالى
الذي أعطاه الحق في ذلك
من خلال الآية الكريمة التي تقول :
(( وإما تخافن من قوم خيانة
فانبذ إليهم على سواء إ
ن الله لا يحب الخائنين )) .
ولما أحسوا بخروج الرسول صلى الله عليه وسلم إليهم ،
احتموا في حصونهم المنيعة
في انتظار مجيء المسلمين ،
فارسل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
إنذارا بالخروج من حصونهم ،
وإلا قضي عليهم جميعا ،
فجاء ردهم فيه من الفجور
أكثر مما فيه من عدم التبصر بما سيحدث لهم
من جراء ذلك .
عند ذلك استعد الرسول واعد جنده للقتال ..
فحمل لواء المسلمين حمزة بن عبد المطلب
وتم حصار الحصون
وكرر الرسول صلى الله عليه وسلم الإنذار مرة أخرى ,
فجعلوا يساومون الرسول صلى الله عليه وسلم
ويراوغون
علهم يجدون فرصة للانقضاض على المسلمين ،
لكنهم في آخر الأمر
اضطروا للاستسلام
والنزول عند رغبة الرسول
صلى الله عليه وسلم
. وجاء عبد الله بن أبي بن سلول
الذي يميل إليهم ويعتبرهم قومه وخاصته .
جاء الى الرسول صلى الله عليه وسلم قائلا له :
يا محمد احسن موالي ( أي أصحابه ) .
ولما أبطأ الرسول صلى الله عليه وسلم عليه بالجواب
ادخل يده في جيب درع الرسول صلى الله عليه وسلم
، وتمادى في طلبه ،
واثقل على رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى أغضبه ،
وقال له :
اتركني ،
ولكن عدو الله قال له :
أتقتل أربعمائة حاسر ،
وثلاثمائة دارع ( يلبس الدرع )
قد منعوني وحموني من الأحمر والأسود أي العجم والعرب …
وتحصدهم في غداة واحدة
. فلما ضاق به الرسول
صلى الله عليه وسلم
نهره قائلا :
(( هم لك … خذهم لا بارك الله فيهم …. ))
وتبرأ عبادة بن الصامت
من عبد الله بن أبي بن سلول
وكان هو أيضا حليفهم
فنزلت الآية الكريمة :
((يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء
بعضهم أولياء بعض
ومن يتولهم منكم فانه منهم ،
إن الله لا يهدي القوم الظالمين )) :
وخرجوا من المدينة مذلولين بدون سلاح وعتاد ،
واستولى المسلمون على أموالهم وعتادهم
وقسم الرسول صلى الله عليه وسلم
أموالهم بين المسلمين أخماسا ،
واخذ له الخمس ،
لينفقه على الفقراء والمحتاجين .
وهكذا خرجوا إلى بلاد الشام
تاركين خلفهم الأرض الطيبة
التي أرادوا أن يدنسوها بخيانتهم
ولم يكن دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم
عبثا فقد هلكوا جميعا في بلاد الشام
خلال فترة وجيزة .
انهم اليهود
أهل الغدر والخيانة
أخزاهم الله في الدنيا والآخرة .
****************************************
غزوة احد::
=======
(السبت 15 شوال السنة 3هـ /625 م )
======================
غزوة أحد زمنها في منتصف شوال من السنة الثالثة للهجرة
مكانها سفح جبل أحد الذي يقع في الشمال من المدينة .
لم تهدأ قريش ولم ترتح بعد هزيمتها في بدر .
لأن الهزيمة التي لحقت بهم في بدر كانت قاسية جدا عليهم ،
وعقدوا العزم على الانتقام من محمد وأصحابه ،
وأقسم أبو سفيان ألا يترك الماء يمس جسده
ما لم يثأر لأهله الذين قضى عليهم أبطال الإسلام في بدر،
وتمكن في خلال عام أن يجمع من قريش
وحلفائها من ثقيف وقبائل كنانة وأهل تهامة و الأحابيش
( أي غير العرب الذين تحبشوا أي تجمعوا )
حوالي ثلاثة آلاف مقاتل
بينهم سبعمائة دارع
ومائتي فرس
وثلاثة آلاف بعير .
وخرج معهم سبع عشرة امرأة
تقودهن هند بنت عتبة زوج أبي سفيان ،
ومعهن الدفوف والطبول
لتحريض الرجال على القتال والثأر لقتلى بدر
وكانت قوات المشركين قد تجمعت في أكمة (( عينين ))
قرب جبل أحد شمال المدينة ،
وجعلوا خالد بن الوليد على الميمنة
وعكرمة بن أبي جهل على الميسرة ،
ودفعوا اللواء الأكبر إلى عبد العزى طلحة بن طلحة .
ولما سمع الرسول صلى الله عليه وسلم
بقدوم هذا الجيش استشار أصحابه فيما يفعل ،
فأشار الشبان ومن لم يحضر بدرا عليه
بالخروج لملاقاة جيش الأعداء ،
وأشار بعض الصحابة أن يتحصن المسلمون بالمدينة
وان يتولوا الدفاع عنها ،
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يميل إلى هذا الاتجاه
لكن الاتجاه الأول حظي بتأييد أغلب المسلمين ،
وعلى هذا خرج الرسول صلى الله عليه وسلم
على رأس ألف من أصحابه
ثم انسحب منهم ثلاثمائة
يقودهم زعيم المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول ،
فبقي مع النبي صلى الله عليه وسلم
سبعمائة رجل ،
اختار منهم خمسين راميا بقيادة عبد الله بن جبير
و أوقفهم على الجبل لحماية ظهر المسلمين
من خالد بن الوليد وأتباعه .
وبدأت المعركة بالمبارزة كالعادة فخرج من قريش
طلحة بن أبي طلحة فبرز له علي فقتله ،
فتبعه أخوه عثمان فصرعه حمزة ،
فخرج أخوهما اسعد فقتله علي
فتقدم الأخ الرابع مسافع فصرعه عاصم بن ثابت ،
ثم التقى الطرفان
حيث أبلى المسلمون بلاءا حسنا
وخاصة أبو دجانة سماك بن خرشة
وعلي بن أبي طالب
وحمزة بن عبد المطلب
الذي اعتبرته قريش عدوها الأول
فحملته دم معظم قتلى بدر ،
وكانت هند بنت عتبة وعدت العبد الحبشي ( وحشي )
بالعتق من الرق إن هو قتل حمزة
وفعلا تمكن من قتله لمهارته في رمي السهام
ومع ذلك انتصر المسلمون
وهم قلة
وتقهقر المشركون
وهم كثرة .
ثم تحول سير المعركة لصالح المشركين
الذين انتهزوا فرصة انشغال المسلمين بجمع الغنائم ،
وخاصة الرماة
الذين خالفوا أوامر النبي
صلى الله عليه وسلم
فتركوا مواقعهم طمعا في المشاركة بجمع الغنائم ،
وبقي عبد الله بن جبير ومعه عشرة رماة فقط .
فالتف خالد بن الوليد عليهم من وراء الجبل وقتلهم جميعا ،
وانكشف المسلمون فأصابهم العدو
وكانت محنة كبيرة أصيب فيها النبي
صلى الله عليه وسلم
في فكه وفمه .
وازداد الآمر صعوبة
لما شاع مقتل النبي صلى الله عليه وسلم
في المعركة
فانسحب بعض المسلمين إلى المدينة
وتشتت البعض الآخر في ميدان المعركة .
ولكن كعب بن مالك صاح بأعلى صوته :
يا معشر المسلمين ،
ابشروا هذا رسول الله ….
فاندفع المسلمين فرحين بالنبأ السار ،
وكانت المعركة توشك أن تكون لصالح المشركين
لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم
أمر رجاله بالتجمع في موضع معين في أعلى جبل أحد ،
حتى لا ينفرد بهم المشركون ويقضون عليهم نهائيا ،
فلم يستطع المشركون الالتفاف حولهم
وكان التعب قد أنهكهم .
وأيقن أبو سفيان
أن النبي صلى الله عليه وسلم
لم يقتل في المعركة
فنادى المسلمين
(( يوم بيوم ، والموعد العام المقبل ببدر ))
فطلب النبي صلى الله عليه وسلم
من عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يقول :
(( نعم هو بيننا وبينكم موعد )) .
وهكذا توقف القتال ،
وانسحب المشركون من المعركة
مكتفين بهذا النصر المؤقت
بعد أن قتل منهم ثلاثة وعشرين رجلا فقط ،
وقد مثلت قريش بقتلى المسلمين
بطريقة وحشية
فيها جدع الأنوف
وقطع الآذان
وبقر البطون .
وكانت ذروة الانتقام
ما أقدمت به هند بنت عتبة
والتي اندفعت في حقد وكراهية ،
وبقرت بطن حمزة بن عبد المطلب ،
وقيل أن وحشي بقر بطنه ،
و أخرجت كبده تلوكها بأسنانها ولفظتها .
وأسفرت موقعة أحد
عن هزيمة مؤقتة للمسلمين
الذين عادوا إلى المدينة
بعد أن فقدوا اكثر من سبعين شهيدا
دفنوا في أرض المعركة ،
منهم حمزة بن عبد المطلب ،
عبد الله بن جحش،
مصعب بن عمير،
أوس بن منذر ،
اياس بن اوس ،
سعد بن الربيع ،
وغيرهم من خيرة الصحابة رضوان الله عليهم جميعا .
وفي طريق العودة ،
وعند الروحاء على بعد 70 كلم ،
أدرك المشركون الخطأ الكبير الذي وقعوا فيه ،
فقد كان يتوجب عليهم قطف ثمرة الانتصار
بالقضاء نهائيا على المسلمين ،
لذلك قرروا العودة واخذ المسلمين على حين غرة
وهم يبكون قتلاهم .
لكن النبي صلى الله عليه وسلم
كان قد فطن لما يقومون به ،
وكان أذكى منهم و أسرع
ففي اليوم التالي عمد إلى تظاهرة عسكرية
وصلت إلى بعد حوالي عشرة كيلومترات من المدينة
فاوهم المشركين بخروجه للثأر من وقعة أحد .
لذلك عدلوا عن قرارهم وعادوا إلى مكة المكرمة
بعد أن انتظرهم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام
ورجع إلى المدينة
بعد أن رفع معنويات المسلمين .
وقد استفاد المسلمون درسا من هذه الهزيمة
فتعلموا أهمية طاعة أوامر النبي صلى الله عليه وسلم ،
ولن ينتصر أبدا من أراد ابتغاء عرض الدنيا .
وبعد عام على الهزيمة
خرج النبي صلى الله عليه وسلم
في المسلمين
ونزل بدر في شعبان /4 هـ / 626 م
لملاقاة المشركين بقيادة أبي سفيان حسب الموعد بينهما .
لكن أبا سفيان خاف وجبن بعد مسيرة يومين
وتراجع بجيش فيه أكثر من ألفي رجل إلى مكة المكرمة
فانتظرهم المسلمون ثمانية أيام
ثم رجعوا إلى المدينة
وقد ارتفعت معنوياتهم في بدر الثانية
التي محت آثار هزيمة أحد .
**********************************************
غزوة بني النضير::
==========
( ربيع الاول السنة 4هـ /626 م )
==================
من هم بني النضير ؟
بنو النضير قبيلة من قبائل اليهود في المدينة ،
عاهدوا الرسول صلى الله عليه وسلم
على عدم الاعتداء
وعدم نصر عدو له عليه الصلاة والسلام ،
يسكنون في ضاحية بأطراف المدينة
بها خضرة ونخيل وماء تسمى منطقة (( العوالي ))
وظل عهدهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم
أربع سنوات كاملة قبل أن تحدث هذه الغزوة
لما ضعفت شوكة اليهود
بعد جلاء بني قينقاع عن المدينة النبوية ،
أخذ بنو النضير ،
يتعاونون مع مشركي قريش بعد انتصار المسلمين في بدر ،
فعندما أراد أبو سفيان الثار خرج في مئتي رجل ،
وأتى سلام بن مشكم وهو سيد بني النضير
فاستقبله وسقاه خمرا
وتعاون معه لإيذاء المسلمين .
ثم هجم أبو سفيان على بعض البيوت
وقتل رجلين من الأنصار ثم عاد إلى مكة المكرمة .
ثم نقض بنو النضير العهد ثانية
عندما رفضوا الاشتراك مع النبي
صلى الله عليه وسلم
في يوم أحد
بحجة أن القتال يدور يوم السبت
وان العهد بينهم ينص على المشاركة
في الدفاع داخل المدينة وأحد خارجها ،
في حين أعتبر النبي صلى الله عليه وسلم
يوم أحد غزوة موجهة إلى المدينة .
ثم توالت الأحداث ضد مصلحة المسلمين
بعد هزيمة أحد يوم السبت 15شوال 3 هـ / 625 م ،
فاستهانت القبائل بأمرهم وأخذت تكيد لهم ،
فكانت حادثة الرجيع
وهو ماء لقبيلة هذيل
تعرض فيه ستة من أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم للقتل والأسر
ثم كانت مجزرة بئر المعونة
وهو بين أرض بني عامر وبني سليم في نجد ،
في صفر سنة 4 هـ ،
حيث استشهد محمد بن المنذر بن عمر
ومعه أربعين من المسلمين
على يد عامر بن الطفيل ومن ناصره من بني سليم ،
ولم ينجوا منهم سوى اثنان
كعب بن زيد
وعمرو بن أمية الضميري ،
الذي قتل رجلين من بني عامر أثناء عودته ،
رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان قد ضمن لهما أمنهما .
وكان بنو النضير حلفاء بني عامر ،
لذلك خرج النبي صلى الله عليه وسلم
معه عشرة من كبار الصحابة
منهم
أبو بكر الصديق
وعمر بن الخطاب
وعلي بن أبي طالب
رضي الله عنهم
إلى مقربة من قباء لدفع دية الرجلين ،
فحاول بنو النضير قتل النبي صلى الله عليه وسلم
بان يلقي عمرو بن جحاش صخرة عليه
من على ظهر الجدار وهو جالس .
لكن الله تعالى فضح مؤامرتهم
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالعودة إلى المدينة .
فخرج وكأنه يريد قضاء حاجة له ،
فلم يفطن له أحد ،
ثم تبعه أصحابه
ثم أنذر النبي صلى الله عليه وسلم
بني النضير
بالجلاء عن حصونهم ومزارعهم خلال عشرة أيام
فاستعد اليهود للرحيل ،
لكن زعيم المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول العوفي
وعدهم بالمساعدة بألفين من العرب
وحثهم على الصمود
لان اخوتهم من بني قريظة لن يخذلوهم
وكذلك حلفاؤهم من غطفان .
رفض بنو النضير الإنذار وأخذوا يستعدون للقتال
فرمموا حصونهم
و أمدوها بالسلاح
وزودوها بمؤونة طعام تكفي اشهر طويلة .
حاصر النبي صلى الله عليه وسلم
يهود بني النضير في حصونهم لمدة عشرين يوما
وأخذ يقطع نخيلهم ويحرق بساتينهم ،
ومنع مساعدة المنافق عبد الله بن أبي بن سلول
وحلفائهم من غطفان
بعد أن رفض بنو قريظة نقض العهد معه .
فأيقن بنو النضير من سوء العاقبة
وتملكهم الخوف والرعب
وطلبوا منهم حقن دمائهم مقابل الاستسلام والجلاء ،
فأجابهم إلى طلبهم شرط
أن يخرج كل ثلاثة منهم في بعير
يحملون عليه ما شاءوا من دون السلاح ،
فخرجوا في 600 بعير
فنزل بعضهم في خيبر
بزعامة حي بن أخطب وسلام بن مشكم وكنانة بن الربيع ،
ورحل البعض الآخر إلى أذرعات عند حدود بلاد الشام .
وفي أمر بني النضير يقول الله تعالى :
((هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يخْرُجُوا
وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ
فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا
وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ
يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ
فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَار )) .
سورة الحشرالآية 2
لقد خربوا بيوتهم بأيديهم ،
وذلك يتعلق بعقيدتهم
فكل يهودي يعلق على نجاف داره صحيفة
فيها وصية موسى لبني إسرائيل ،
لذلك حملوها معهم عند جلائهم ،
وقيل أن ما حملوه معهم هو أخشاب بيوتهم
وهي غالية الثمن في شبه الجزيرة العربية .
وظن بنو النضير أن هذا الجلاء
هو انتصار لهم
فخرجوا يرقصون في ابتهاج وسرور
وقد تزينت نسائهم ويحملون الدفوف والمزامير .
وقد غنم المسلمون من يهود بني النضير
50 درعا و50 خوذة و 34 سيفا ،
عدا الأراضي والبساتين
التي قسمت على المهاجرين
حتى يصبحوا في غنى عن معونة الأنصار
إخوانهم في الإسلام .
وقيل أن رجلين فقط من بني النضير أسلما
فلم تمس أموالهما
وهما يامين بن عمير
وأبو سعد بن وهب .
كان إجلاء بني النضير
ضربة قاصمة لليهود الذين شعروا بمرارة النزوح والهجرة ،
ومع ذلك لم يفطنوا للخطأ الكبير الذي ارتكبوه ،
وهم أهل دين سماوي ،
بتحالفهم مع قريش أهل الوثنية ضد المسلمين
وهم أهل دين سماوي مثلهم .
والتوراة عندهم توصي بالنفور
من عبدة الأوثان والأصنام .
***********************************************
غزوة ذات الرقاع ::
==========
( السنة 4هـ )
=========
لماذا سميت هذه الغزوة بغزوة ذات الرقاع ؟
لقد سميت هذه الغزوة بعدة أسماء
منها غزوة بني ثعلبة
نسبة لبني ثعلبة
الذين خرج الرسول صلى الله عليه وسلم لقتالهم ،
وكانوا قد نقضوا عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وغزة بني أنمار ،
وغزوة صلاة الخوف ،
لأن الرسول صلى الله عليه وسلم
صلى فيها صلاة الخوف ،
وسميت غزوة الأعاجيب
لما شاهد فيها المسلمون من مواقف أثارت العجب .. بأحداثها
لكن الذي يهمنا هو اسم ذات الرقاع
ففي رواية البخاري :
روى أبو موسى الأشعري ،
وهو من الصحابة الاجلاء
أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم
في غزوة ذات الرقاع ،
قال :
خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم
في غزاة ونحن ستة بيننا بعير نعتقبه
( أي نتبادل ركوبه )
فنقبت أقدامنا …
ونقبت قدماي
( أي جرحت ، وسال الدم منها )
وسقطت أظفاري ..
( وكان ذلك من وعورة الأرض في هذا المكان )
.ويواصل أبو موسى حديثه فيقول :
فكنا نلف على أرجلنا الخرق ..
ولما كنا نعصب على أرجلنا الخرق …
سميت ذات الرقاع
من هذه الرواية
نلاحظ معاناةالمسلمين في سبيل رفع راية الإسلام ،
فوعورة الأرض..
ومشقة السفر ..
لم تمنعهم من ملاحقة أعداء الإسلام
والجهاد في سبيل نشره .
فقد كانت الأحجار تضرب في
أقدام أبي موسى الأشعري
وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
وتسيل منها الدماء
ويعصبونها بخرق من القماش ..
لوقف النزيف منها
وبينما موكب الرسول صلى الله عليه وسلم
يسير نحو القبيلة إذ يفاجأ المسلمون
بجمع غفير من غطفان ،
(( فتقارب الفريقان
ولم يكن بينهما حرب
وخاف الناس بعضهم بعضا ))
حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم
صلى بهم صلاة الخوف .
ومما رأى الناس في غزوة ذات الرقاع
انهم حينما شاهدوا القوم مجتمعين
وهم أهل غطفان
تقارب الجمعان من خوف بعضهم بعض ..
ظنا منهم أنها الحرب .
لكن لم تكن هناك حرب ولا قتال .
فرجع الرسول صلى الله عليه وسلم
إلى المدينة بصحابته
في جمادى الأولى من نفس العام
، وكفاهم الله شر القتال .........
*****************************************
غزوة الخندق او الاحزاب::
===============
( شوال السنة 5 هـ )
============
زمنها شوال من السنة الخامسة للهجرة
لماذا سميت غزوة الأحزاب ؟
سميت كذلك لانه اجتمع فيها مجموعة من الأحزاب
قصد القضاء على الإسلام والمسلمين في المدينة
وكان يهود خيبر
وبخاصة بنو النضير الذين طردوا من المدينة
هم الذين جمعوا وحزبوا الأحزاب
على رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
يروي ابن هشام انهم خرجوا حتى قدموا مكة
على قريش
فدعوهم إلى حرب محمد
وقالوا إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله …..
ثم خرج هؤلاء اليهود
إلى غطفان وبني مرة و أشجع وأثاروهم كذلك .
فاستجاب أبو سفيان لدعوة اليهود
وحشد لهذه الغزوة كل قواه ،
وعمل لها كل حيلة رجاء أن تنجح ،
وتجمعت قوى الأحزاب في جيش هائل
لعل الجزيرة العربية لم تشهده من قبل ،
إذ كان عدده يربو على عشرة آلاف مقاتل .
واتخذ المسلمون في هذه الموقعة
موقف الدفاع فبدا الرسول
صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في الأمر
وكان من بين أصحابه الذين سمع مشورتهم
عليه الصلاة والسلام
" سلمان الفارسي "
الذي أشار عليه بحفر خندقا
عميقا واسعا شمال المدينة
ويلتف حولها من الغرب
إذ كانت الجهات الأخرى محصنة بالجبال والنخيل ،
وبدأ المسلمون بحفر الخندق
وشاركهم الرسول صلى الله عليه وسلم في الحفر
وبينما هم في ذلك الجهد والعمل
تقاعس المنافقون وتخاذلوا بحجة شعورهم بالإرهاق ،
واخذوا يتسللون هاربين من العمل
دون إذن الرسول صلى الله عليه وسلم
ويذهبون إلى بيوتهم
بينما أبطال المسلمين منهمكين في الحفر
وكانوا يسابقون بعضهم بعضا في الحفر
كسبا للأجر
وتنفيذا لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ،
وواجه سلمان الفارسي في حفره
صخرة أراد كسرها لكنه لم يستطع تفتيتها لصلابتها ،
طلب منه الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتركها له
فامسك أداة الكسر وكبر وضرب الصخرة فانفلقت ….
وقد استغرق حفر الخندق عشرون يوما
وفي رواية أخرى شهرا كاملا .
من جانب آخر كان اليهود والمنافقين في المدينة
يخوفون المسلمين
ويضخمون أنباء الحشود المشركة
ويشيعون أنه لا أمل للمسلمين في الدفاع عن المدينة
وان كل قبائل العرب قد اتفقت للقضاء على الإسلام
وقد وصلت بهم الوقاحة أن بعض المنافقين
قال ساخرا
" لقد كان محمدا يعدنا بقصور صنعاء وفارس
وها نحن أحدنا لا يأمن على نفسه
وهو يذهب لقضاء حاجته ! ""
لقد أثر ذلك تأثيرا كبيرا على نفسية المسلمين
وبدأ الكثير منهم يخاف واشتد عليهم الأمر
فكانت قمة المحنة .
عند ذلك حاول عدو الله
حي بن اخطب أن يقوم بشيء فيه من الخبث والمكر
ما يأثر على الجبهة الداخلية في المدينة
وذلك انه أتى كعب بن أسد وهو زعيم بني قريظة
الذين عاهدوا الرسول ألا يحاربوا ضده ،
فأراد هذا الخبيث أن يدخل حصن كعب
فلما علم هذا الأخير قصده
أوصد دونه أبواب الحصن ،
ولكن عدو الله ظل يحاور كعب
حتى فتح له أبواب الحصن
ومازال معه يثنيه عن العهد
وكعب يقول
" دعني وما أنا عليه ..
فاني لم أر من محمد إلا صدقا ووفاءا .
إلا أن هذا الخبيث ظل معه حتى نقض عهده
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
. فلم علم بذلك الرسول
صلى الله عليه وسلم
أرسل إليهم
وفدا يستكشف أخبارهم
وكان الوفد مكونا من سيد الاوس في المدينة
سعد بن معاذ
وسيد الخزرج في المدينة
سعد بن عبادة
والصحابي عبد الله بن رواحة .
وعاد الوفد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم
بالخبر المؤلم ،
لقد نقض يهود بني قريظة العهد ،
وهكذا انضم بنوا قريضة إلى الأحزاب .
واشتد البلاء والخوف فلاتوازن بين القوى ..
الأحزاب عشرة آلاف مقاتل ،
والمسلمون ثلاثة آلاف رجل
ففي هذا الوقت العصيب
حاول الرسول صلى الله عليه وسلم
أن يخفف البلاء عن المسلمين
بمفاوضة غطفان على ثلث ثمار المدينة
مقابل رجوعهم ،
وكتب بذلك كتابا استشار فيه الأنصار ،
أصحاب الأرض والبساتين .
فقال له سعد بن معاذ
" أمرا تحبه فنصنعه أم شيئا أمرك الله به
لابد لنا من العمل به
أم شيئا تصنعه لنا؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
بل شيء اصنعه لكم ،
والله ما اصنع ذلك إلا أني رأيت العرب
قد رمتكم بقوس واحد
" فقال سعد بن معاذ :
يا رسول الله قد كنا وهؤلاء على الشرك وعبادة الأوثان
ولا نعبد الله ولا نعرفه
وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة
إلا قرى أو بيعا !
أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وب
ه نعطيهم أموالنا !؟
والله ما لنا بهذا حاجة
والله لا نعطيهم إلا السيف
حتى يحكم الله بيننا وبينهم .
فقال عليه الصلاة والسلام فأنت وذاك ،
فتناول سعد بن معاذ صحيفة الصلح المقترح فمزقها .
أقام المسلمون داخل المدينةالمحصنة
وقريش وحلفاؤها من الخارج
ولم يكن هنالك قتال مباشر بين الجيشين
وقد أثبتت فكرة الخندق أنها فكرة عظيمة
وكانت عاملا مهما في منع الأحزاب اقتحام المدينة ،
وقد حاول بعض فرسان قريش التسلل إلى المدينة
عن طريق مكان ضيق من الخندق ،
ولكن فرسان المسلمين
بقيادة علي بن أبي طالب رضي الله عنه
تصدوا لهم وحالوا بينهم وبين ذلك وقتلوا منهم
عددا كبيرا ،
ثم قام رجل مسلم يخفي إسلامه
يدعى نعيم ابن مسعود الأشجعي
وكان أحد دهاة العرب
بمكيدة بين فريقي الحلف المعادي للإسلام قريش
واليهود
ومشى بينهم بكلام ثبط همم بعضهم البعض
فأوهن الله صفوفهم
وبث الفرقة بينهم
ووقعت بينهم عداوة ،
وعدم الثقة في الطرف الآخر
فاختلفوا اختلافا شديدا
وأرسل الله الملائكة يزلزلون الأرض من تحت أقدامهم
ويلقون في قلوبهم الرعب .
وهبت ريح شديدة
اقتلعت الخيام
وقلبت القدو
ر وأطفأت النيران
وهربت الخيل في الصحراء .
وهكذا رد الله كيد
الكفار
والمنافقين
واليهود
ورد المشركين
عن المدينة ،
وكفى الله المؤمنين شر القتال
وصدق وعده
وأعز جنده
وهزم الأحزاب وحده .
**************************************
غزوة بني قريظة ::
==========
( السنة 5 هـ )
=========
غزوة بني قريظة السنة الخامسة الهجرية
دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة
صباح اليوم الذي فرغ فيه من غزوة الخندق
ولم يكد يضع السلاح
حتى آتاه جبريل عليه السلام
في صورة رجل يلبس عمامة
يركب بغلة
عليها سرج
وقال له أو قد وضعت السلاح يا رسول الله ؟
قال :
نعم يا جبريل
فقال جبريل :
فما وضعت الملائكة السلاح بعد ..
إن الله عز وجل يأمرك يا محمد
بالمسير إلى بني قريظة
فاني عامد إليهم فمزلزل بهم ))
بعدها أمر الرسول صلى الله عليه وسلم
أصحابه فقال لهم من كان سامعا مطيعا
فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة ،
وسمع المسلمون واطاعوا
قول نبيهم صلى الله عليه وسلم
وتولى علي بن أبي طالب الراية
بأمر من الرسول صلى الله عليه وسلم ،
وانطلق الرجال في موكب المجاهدين
فلقد اطمأنوا بعد الخندق بأنهم لن تغزوهم قريش
بعد اليوم
بل هم سيغزون أعداء الإسلام
ويقاتلون أئمة الكفر في عقر دارهم
هذا ما وعد به رسوله المجاهدين من المسلمين
مهاجرين وأنصارا .
اقترب علي بن أبي طالب
مع رجاله من حصون بني قريظة
واستمع إلى حديثهم خلف الحصون
فسمع مقالة قبيحة
بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم
فعاد إليه ونصحه بان لا يقترب من الحصون
فأدرك الرسول بثاقب نظره
سبب نصيحة علي
وقال له أظنك سمعت منهم كلاما مؤذيا لي .
ولما أجابه علي بالإيجاب
قال له لو رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا .
تقدم الرسول صلى الله عليه وسلم
من حصون بني قريضة
فنادى عليهم
(( هل أخزاكم الله وانزل بكم نقمته ؟ ))
قالوا يا ابا القاسم ما كنت جهولا
ونزل رسول الله عند بئر تسمي بئر انا
وضرب المسلمون حصارا حول حصون بني قريظة
استمر خمسا وعشرين ليلة
حتى شق عليهم الحصار
وأجهدهم وأصابهم الرعب والخوف من المسلمين .
في هذه الظروف
عرض عليهم زعيمهم كعب بن الأشرف
ذلك الغدار الماكر
الذي نقض كل العهود المتفق عليها
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
عرض عليهم ثلاثة حلول
إما أن يدخلوا في الإسلام
واما أن يقوموا بقتل ذراريهم ونسائهم بأنفسهم
ثم يقاتلون المسلمين حتى الموت
واما تبييت المسلمين ليلة السبت
فان المسلمين قد أمنوا منهم
فأبوا كل ذلك
وأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
أن يرسل إليهم أحد أصحابه
وهو أبو لبابه
وكان حليفا لهم في الجاهلية …
عندما جاءهم أبو لبابة
قام إليه اليهود متوسلين
وقدم إليه النساء والصبيان يبكون
فرقّ لهم
وقالوا له يا أبا لبابة
(( أترى أن ننزل على حكم محمد ؟
وكانوا لايعرفون نية الرسول صلى الله عليه وسلم ))
ولذلك أجابهم أبو لبابة على سؤالهم
بإشارة من يده إلى حلقه
موضحا لهم انه الذبح
إن هم رضوا بحكم الرسول صلى الله عليه وسلم .
وهنا أدرك أبو لبابة انه قد خان الرسالة
وأفشى سرا من الأسرار العسكرية
فندم بعد أن شعر انه تعدى حدوده
وانطلق هائما على وجهه
وربط نفسه إلى أحد أعمدة المسجد
وقال لا ابرح
حتى يتوب الله علي مما صنعت
وظل في مكانه حتى نزلت توبته
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ف
أطلقه بيده الشريفة .
لم يهدأ اليهود في حصون بني قريظة
فأرسلوا أحدهم
وهو شاس بن قيس
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
يعرض عليه أن ينزلوا على ما نزل عليه بنو النضير
من ترك الأموال والخروج بالنساء والصبيان
وما حملت الإبل إلا الحلقة …
فرفض الرسول صلى الله عليه وسلم
وتقرر بعد ذلك أن ينزل بنو قريظة على حكم رسول الله
عندها قال الاوس :
يا رسول الله إن بني قريظة هم موالينا ..
وكانوا حلفائهم قبل الإسلام
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ألا ترضون يا معشر الاوس
أن يحكم فيهم رجل منكم ؟
قالوا بلى .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
فذلك سعد بن معاذ
، وكان سعد مصابا يداوى من جرح بليغ
أصابه في غزوة الخندق
فاقبلوا عليه يقولون :
يا أبا عمر احسن في مواليك
فإنما رسول الله ولاك لتحسن فيهم ….
فأجابهم :
لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم ….
وهنا اعتدل سعد رضي الله عنه
واصدر الحكم الوحيد الذي أجراه الله على لسانه
ولقد كان حكما عادلا أشفى صدور المؤمنين
الذين عانوا من غدر اليهود …
وأشفى صدور المؤمنين
الذين سيأتون من بعد سعد والى أن تقوم الساعة
لقد حكم فيهم سعد بان تقتل الرجال ،
وتقسم الأموال ،
وتسبى الذراري والنساء .
وهنا قال له الرسول صلى الله عليه وسلم
لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة ارقعة ( سماوات )
ثم جيء بهم في بيت بنت الحارث
وتم حبسهم هناك
إلي أن يحين تنفيذ حكم الله فيهم
فحفر لهم خندق ثم أمر بهم فضربت أعناقهم
في تلك الخندق
وقتل معهم يومئذ عدو الله
حيي بن اخطب
وهو والد أم المؤمنين صفية بنت حيي
التي تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قتل من رجال بني قريظة
عدد يتراوح بين الستمائة والسبعمائة
وقتلت من نسائهم امرأة واحدة
وذلك لأنها قتلت أحد المسلمين
بطرح رحى عليه
واسمه خلاد بن سويد ،
وكان ممن وقع للنبي صلى الله عليه وسلم
من السبي ريحانة بنت عمرو
ولم تزل في ملكه حتى مات .
وكان نصر الله عظيما .
لقد انزل الله القصاص العادل باليهود
جزاء لهم على خيانتهم العهود
وخاب ظن المنافقين الذين انكشف أمرهم
في قوله تعالى
(( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ
مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ))
الآية 12 من سورة الأحزاب
بل وعدهم الكاذب
وعهدهم المنقوض
ووعد الله ورسوله هوالصادق .
وفي نهاية ذلك اليوم
مات سعد بن معاذ شهيدا
متأثرا بجراحه من غزوة الخندق
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
(( اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ )) .....
******************************************
غزوة بني المصطلق ::
============
( شعبان السنة 6 هـ )
=============
بنو المصطلق هم فرع من خزيمة
سموا بني المصطلق
إذ كان جدهم رقيق الصوت .
ويروى في سبب هذه الغزوة
أن الرسول صلى الله عليه وسلم
تلقى نبأ أن بني المصطلق يحرضون على قتله
عليه الصلاة والسلام ،
وان زعيمهم الحارث بن ضرار
هو خطيبهم في ذلك ،
فلما تأكد الرسول صلى الله عليه وسلم من الخبر،
أسرع فاستعد لهم ونادى بالخروج إليهم ،
وكان ذلك في شعبان من السنة السادسة للهجرة ،
وجعل لواء المهاجرين لأبي بكر
ولواء الأنصار لسعد بن عبادة ،
وزحف المسلمون
ونزلوا على ماء بئر قريب من بني المصطلق
يقال له " المريسيع "
فتقابلا الجيشان ،
ونادى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأعلى صوته :
قولوا :
" لا اله إلا الله تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم ،
أحاط المسلمون ببني المصطلق
ففر من جاءو لمشاركة بني المصطلق في هذه المؤامرة ،
ووقف بنو المصطلق وحدهم في مواجهة المسلمين ،
وجرى تراشق بالنبال ،
وسرعان ما أحس بنو المصطلق بأنهم لا يستطيعون الوقوف
في وجه المسلمين
وان الحرب ستأكلهم
وراح الحارث بن أبي ضرار زعيمهم يقول
: " أتانا من لا قبل لنابه عدة وعددا "
وكان يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم ،
فأصاب القوم الرعب
فاستسلموا فرفعوا أيديهم والقوا بأسلحتهم ،
فأسر منهم سبعمائة رجل ،
وسبيت نسائهم وذريتهم ،
وغنم المسلمون غنيمة كبيرة …
ومما يقوله الرواة في ذلك انهم غنموا
ألفا من الإبل ،
وخمسة آلاف من الأغنام .
وعلى هذا فالحديث عن غزوة بني المصطلق
حديث قصير
لان الحرب لم تكن شديدة
، ولكن لهذه الغزوة أهمية عظيمة في التاريخ ،
إذ ارتبط بها حادثان خطيران
أولهما الفتنة التي أوشكت أن تحدث بين المهاجرين والأنصار
، والتي كان سببها راس النفاق
في المدينة
عبد الله بن أبي بن سلول
فأراد أن يستغل حادثة وقعت بين مهاجر وأنصاري ،
ليشعل دعوة الجاهلية ،
لتعظم وتأكل صفوف المسلمين .
الحادثة كانت بين رجل مهاجر
يسمى جهجاه بن مسعود من بني غفار
أجير عمر بن الخطاب ،
ورجل أنصاري هو سنان بن وبر الجهني …
تزاحم الرجلان على الماء فاقتتلا ،
فصرخ الأنصاري قائلا
: يا معشر الأنصار ،
ونادى المهاجر :
قائلا يا معشر المهاجرين …
فلما سمع ذلك راس النفاق ابن أبي
قال : لقد نافرونا وكاثرونا في بلدنا …..
واكمل ذلك المنافق يقول ..
أما والله لو رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الاذل …..
وكان زيد بن أرقم غلاما صغيرا
فسمع هذا الحديث
فبلغه إلى رسول الله صلىالله عليه وسلم ،
لقد حزن الرسول صلى الله عليه وسلم مما سمع ،
وبينما هو في الموكب
إذ التقى بأسيد بن حضير
وكان رجلا من أتباع ابن أبي قبل إسلامه
فقال له عليه الصلاة والسلام
بعد أن رد تحيته ،
أوما بلغك ما قال صاحبكم ؟
فقال عليه الصلاة والسلام انه قال :
سيخرجن الأعز منها الاذل .
فاستغرب الرجل وقال :
هو والله الذليل وأنت الأعز …..
ثم أضاف
أرفق به يا رسول الله ،
فوالله لقد جاءنا الله بك
وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه ملكا ،
وانه ليرى أنك قد اسلبته ملكه .
فكان عقاب هذا المنافق
أن نزل فيه قرآنا وهو القصاص منه ،
وعلم ابن عبد الله بن أبي نبأ ما اقره القرآن في أبيه ،
فجاء إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم
يستأذنه في قتل أبيه ..
أما الحادثة الثانية فهي حادثة الإفك
والتي حملها رأس النفاق أيضا ابن سلول ،
وقد تصدى القرآن الكريم لتبرئة السيدة الفاضلة
أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها
زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم
وبنت أبا بكر الصديق رضي الله عنه ،
من فوق سبع سموات .
ومما يتصل بهذه الغزوة
زواجه صلى الله عليه وسلم من
جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار ،
وكيف كان هذا الزواج يمنا وبركة
على أسيرات بني المصطلق فاعتقهن المسلمون
وهم يهتفون ،
كيف نأسر أصهار رسول الله ؟
وأسلم كثير من بني المصطلق
وصفت النوايا وعم الوئام بين المسلمين جميعا.
*****************************************
صلح الحديبية::
=========
( ذي القعدة ، سنة 6 هجرية )
=================
في ذي القعدة من العام السادس الهجري
خرج الرسول صلى الله عليه وسلم للعمرة
في جمع من أصحابه
يبلغ عددهم في ارجح الروايات
ألف وأربعمائة من المسلمين المهاجرين والأنصار
ومن لحق به من حلفائه العرب
وأخذ معه عليه الصلاة والسلام سبعين بهيمة من الهدي ،
الأغنام والأضاحي
وقيل في ذلك أن عدد المسلمين
كان سبعمائة فقط ،
أي كل عشر ة لهم هدي واحد ،
وبينما الرسول صلى الله عليه وسلم في المسيرة
وقد أحرم مع أصحابه ليأمن الناس
ويعلموا أن مقصده زيارة بيت الله الحرام .
التقى عليه السلام برجل يسمى " بشر بن سفيان الكعبي"
فقال له :
يا رسول الله
قد علمت قريش بخروجك
وخرجت برجالها وابلها
وهم في مكان قرب مكة
ويتزعم فرسانهم خالد بن الوليد .
فقال عليه الصلاه و السلام
" يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب" .
ثم طلب عليه الصلاة والسلام
من رجل من المسلمين
أن يدله على طريق غير طريق التي تقف فيها قريش .
فسار الرجل في مقدمة المسلمين ،
يوجه الرسول صلى الله عليه وسلم واصحابه
إلى طريق آخر غير طريق قريش
وكان طريقا وعرا أجهد المسلمين ،
فلما رأى ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم
طلب من أصحابه أن يستغفروا الله ويتوبوا إليه ،
ولما شاهدت قريش الغبار الذي يثره المسلمون
قاصدين طريقا آخر
عادوا إلى مكة مسرعين
خوفا من دخول المسلمين من وموضع آخر ،
والتقى الرسول صلى الله عليه وسلم في طريقه
برجال من خزاعة وهي قبيلة عربية
فلما سألوه عن الذي جاء به
اخبرهم عليه الصلاة والسلام
انه جاء لزيارة البيت .
ولم يقصد الحرب والقتال .
عاد القوم إلى مكة يقولون للكفار .
يا معشر قريش !! إنكم استعجلتم في الحكم
على محمد صلى الله عليه وسلم ،
انه لم يأت للقتال وانما جاء زائرا هذا البيت ..
فاقسموا ألا يدخل مكة عليهم أبدا .
طلب الرسول صلى الله عليه وسلم
من عمر بن الخطاب رضي الله عنه
أن يذهب إلى مكة
ليبلغ أشرافها هدف مجيء الرسول
صلى الله عليه وسلم إلى مكة .
فقال عمر رضي الله عنه
" يا رسول الله
إني أخاف قريش على نفسي ،
وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني ،
يقصد أهله وقبيلته
وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها "
وأشار عمر أن يبعث الرسول عثمان بدلا منه
قائلا
" انه رجل أعز مني .
وكان اختيار عمر صحيحا .
لأنه يعرف مكانة عثمان لديهم .
وقوة أبناء عمومته في قريش تجعلهم لا يفكرون في قتله .
ونزل الرسول صلى الله عليه وسلم على رأي صاحبه
وخرج عثمان قاصدا مكة
ليفاوض أهلها على السماح بدخول المسلمين
بقصد الطواف بالبيت العتيق .
ولما وصل عثمان إلى مشارف أم القرى ،
لقيه رجل من أهله هو أبان بن سعيد بن العاص
فرحب به وجعله في حمايته
حتى وصل إلى زعيمهم أبي سفيان وحوله أشراف قريش ،
بلغهم رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فأجابوه
إن شئت أن تطوف بالبيت فطف ..! .
فقال لن افعل حتى يطوف معي رسول الله .
فاحتجزه الكفار في مكة
. وبلغ المسلمين انهم قتلوه ،
فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على القتال
حتى الموت .
وسميت بيعة الرضوان
لأنها كانت تحت الشجرة
ونزلت فيها الآيات التالية
( سورة الفتح
18/19
ثم جاءت أخبار عثمان من مكة بأنه لم يقتل ،
وخبر مقتله غير صحيح .
وبعث الكفار رجلا منهم وهو سهيل بن عمرو العامري .
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ليفاوضه في الصلح
وكان شرطهم الأول أن لا يدخل الرسول مكة هذا العام .
وتفاوض سهيل مع الرسول طويلا
ثم جرى بينهما الصلح
ولما سمع عمر شروط الصلح
وقف غاضبا يقول
: يا رسول الله
الست برسول الله .
قال عليه الصلاة والسلام :
بلى ..
قال عمر متسائلا::
أو ليسوا بالمشركين ؟
قال :
بلى ..
فأجاب عمر :
فعلام نعطي الدنية في ديننا ؟
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم
: أنا عبد الله ورسوله
ولن أخالف أمره ولن يضيعني ..
ثم دعا رسول الله علي بن أبي طالب
ليكتب كتاب الصلح بين المسلمين وقريش ،
فقال عليه السلام :
اكتب يا علي :
بسم الله الرحمن الرحيم ..
فقال سهيل بن عمرو :
لا أعرف هذا اكتب باسمك اللهم ….
فكتبها علي رضي الله عنه …
ثم اكمل الرسول يملي عليا ..
(( هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو ))
. فقال سهيل لو شهدت انك رسول الله لم أقاتلك ..
ولكن اكتب اسمك واسم ابيك .
فقال الرسول صلوات الله وسلامه عليه ..:
اكتب يا علي
(( هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو )) .
وأملاه شروط الصلح كما يلي :
أن تضع الحرب اوزارها بين الفريقين لمدة عشر سنوات .
أن يرد الرسول من يأتيه من قريش مسلما بدون إذن وليه ..
ولا تلتزم قريش برد من يأتي إليها من عند محمد .
من أحب الدخول في عقد قريش وعهدها فله ذلك ..
ومن أراد أن يدخل في عهد محمد من غير قريش دخل فيه ..
وأن يرجع الرسول صلى الله عليه وسلم
هذا العام من غير عمرة ،
على أن يأتي في العام التالي
فيدخل مكة مع أصحابه
بعد أن تخرج منها قريش
ويقيم فيها ثلاثة أيام
وليس معهم من السلاح إلا السيوف ..
أحس المسلمون بخيبة أمل
ورأوا أن الصلح فيه تساهل كبير من ناحيتهم
وتشددا من قريش
ولذلك عندما أمرهم الرسول أن ينحروا ثم يحلقوا
لم يقم منهم أحد ،
رغم أنه كرر ذلك ثلاث مرات .
حزن الرسول صلى الله عليه وسلم
ودخل على زوجته " أم سلمة " أم المؤمنين
وذكر لها ما لقيه من المسلمين
فقالت :
يا نبي الله أتحب أن يطيعوك فيما أردت ؟
إذن فاخرج ولا تكلم أحدا منهم حتى تنحر بدنتك ،
وتدعوا حالقك فيحلق شعرك .
ففعل عليه الصلاة والسلام بمشورة أم المؤمنين .
فلما رأى المسلمون ذلك
قاموا جميعا ونحروا وصار بعضهم يحلق للآخر .
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم حكيما ،
في عقده صلح الحديبية ،
فقد أمن شر قريش لمدة عشر سنوات قادمة ،
جعلته يتهيأ لنشر الدعوة خارج قريش ،
وفي جميع أرجاء الجزيرة العربية .
وعاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة
في موكب صحابي جليل ،
فيه رضى بما قسم الله لهم .
وفي طريق العودة نزلت سورة الفتح
التي بشرت الرسول بفتح قريب ،
فاستبشر الصحابة بهذه البشرى العظيمة ،
وسكنت قلوب المسلمين
وراحوا يستغفرون الله ،
وكان عمر بن الخطاب يقول :
(( مازلت أتصدق وأصوم واصلي واعتق
في الذي صنعت يومئذ ( يقصد يوم الصلح )
مخافة كلامي الذي تكلمت به ،
حتى رجوت أن يكون خيرا )) .
***************************************
غزوة تبوك::
========
إن القتال الذي شرعه الله تعالى،
وخاض معاركه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته،
لهو أشرف أنواع الجهاد،
فقد كان فريضة لحماية الحق،
ورد المظالم،
وقمع العدوان،
وكسر الجبابرة،
ومن ذلك غزوة تبوك
والتي سنقف على تفصيلها في هذا المقال:
____________________________________________________
غزوه تبوك::
=======
تعتبر هذه الغزوة
التي وقعت في رجب من صيف عام تسع للهجرة
استجابة طبيعية لفريضة الجهاد ،
فالروم أقرب الناس إلى جزيرة العرب ،
فقد قال الله تعالى
{ يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار ،
وليجدوا فيكم غلظةً
واعلموا أن الله مع المتقين }
( التوبة 123) .
وقد قضى الإسلام على الوثنية في شبه جزيرة العرب ،
وبقيت أمامه المجوسية في بلاد فارس
والنصرانية في بلاد الشام .
وتبوك تقع شمال الحجاز
وتبعد عن المدينة 778 كيلو مترا
حسب الطريق المعبدة حالياً.
وقد سميت غزوة "العسرة" أيضاً
لما كان أصاب المسلمين من الضيق الاقتصادي وقتها .
وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على النفقة ،
فسارع أغنياء الصحابة وفقراءهم إلى تقديم الأموال ،
وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه
أكثرهم انفاقاً على جيش العسرة
فوعده رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنّة .
وكان عدد الجيش ثلاثين ألفاً ،
وحاول المنافقون تثبيط الناس عن الخروج ،
وكان الحر شديداً ،
وكان الناس يفيئون إلى ظلال الأشجار ،
فكان المنافقون يستغلون ذلك لإشاعة التخاذل .
كما كانوا يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم
بالتخلف مبدين الأعذار الكاذبة .
وقد ابتنى المنافقون مسجداً قبيل الخروج إلى تبوك ،
ليجتمعوا فيه مكايدةً للمسلمين ،
وقد طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة فيه ،
فنهاه الله تعالى عن ذلك وسمّاه مسجداً "ضراراً" .
وقد تخلف معظم المنافقين عن الغزوة ،
ومضى بعضهم مع الجيش يقتنصون الفرص للكيد والإرجاف .
ولم يتخلف من الصحابة إلا عدداً يسيراً
من ذوي الأعذار
سوى ثلاثة لم يكن لهم عذر .
ونظراً لبعد الشقة وكثرة الأعداء
فقد كشف الرسول صلى الله عليه وسلم عن وجهته للمسلمين ،
ليستعدوا لذلك خلافاً لنهجه في الحروب
فانه لا يعلن وجهته حتى لا يصل الخبر إلى عدوه
فيأخذون أهبتهم ..
وقد طلب الرسول صلى الله عليه وسلم
من علي بن أبي طالب أن يخلفه في أهله ،
فقال علي :
يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ،
غير أنه لا نبيّ بعدي " .
وهكذا شأن أصحاب العقيدة ،
لا يفرحون بالثمار والظلال ،
بل يؤثرون الحر والظمأ والجوع في سبيل الله ،
فهي غنيمتهم التي يدّخرونها لآخرتهم .
قال لأبو خيثمة الأنصاري :
" تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فدخلت حائطاً ،
فرأيت عريشاً قد رش بالماء ،
ورأيت زوجتي ،
فقلت :
ما هذا بانصاب ،
رسول الله صلى الله عليه وسلم في السموم والحرور
وأنا في الظل والنعيم ،
فقمت إلى ناضحٍ لي وتمرات فخرجت ،
فلما طلعت على العسكر فرآني الناس ،
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
" كن أبا خيثمة ".
فجئت ،
فدعا لي .
وبلغ الأمر بالضعفاء والعجزة
ممن أقعدهم المرض أو العجز
عن النفقة عن الخروج
إلى حد البكاء شوقاً للجهاد ،
وتحرجاً عن القعود
حتى نزل فيهم قرآن
{ ليس على الضعفاء ولا على المرضى
ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج }
التوبه .
ولما بلغ المسلمون تبوك
أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء الأعظم
للصديق رضي الله عنه ،
وحملت كل قبيلة الرايات والألوية .
وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم
خالد بن الوليد مع عدد من الصحابة إلى دومة الجندل
فأسر ملكها أكيدر بن عبد الملك الكندي ،
وفتح الدومة ،
وحاز غنائم عظيمة .
ولم يقع قتال في هذه الغزوة سوى فتح الدومة ،
إذ لم يلق المسلمون جموع الروم والقبائل العربية المنتصرة ،
وآثر حكام المدن الشمالية الصلح على أن يدفعوا الجزية .
وفي طريق العودة من تبوك إلى المدينة ،
مر المسلمون بالحجر في ديار ثمود
وهم الذين امتحنوا بالناقة فنحروها ،
فأخذتهم الصيحة لعصيانهم .
وقد سارع الناس إلى دخول بيوت الحجر ،
فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وقال :
" لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم ،
أن يصيبكم ما أصابهم ،
إلا أن تكونوا باكين " ،
ثم قنع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه
وأسرع السير حتى أجاز الوادي ،
كما نهاهم عن شرب الماء من بئرها أو الوضوء منه ،
وأن يعلفوا إبلهم ما عجنوه من عجين بمائها.
ولما اقترب الجيش من المدينة
خرج الصبيان إلى ثنية الوداع يتلقونه ،
ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ،
فصلّى في مسجده ركعتين ،
ثم جلس للناس ،
وجاءه المنافقون المتخلفون عن ا