الأستاذة فاطنة قسوي
كثر الحديث عن صعوبة ظروف المعيشة، وانحصر اهتمام الآباء في إمكانية توفير اللباس والطعام ظنا منهم أن ذلك أقصى ما يحتاج إليه الأبناء، فهل حقا بهذا نكون قد لبينا كل طلباتهم؟
يحتاج أبناؤنا فعلا لكل هذا، لكن احتياجهم الأكبر يكمن في تخصيص الوالدين وقتا ينصتون فيه لأبنائهم
ويتقاسمون معهم أثناءه لحظات القرب والاحتضان.
فمن المؤلم أن يذكر الابن أن أمنيته في الحياة أن يجلس معه والديه ولو وقتا قصيرا، يحاوراه ويمداه بالحنان والعطف، ويسألاه عن أحواله ويوجهانه، إلا أنه لا يملك إلا أن يتمنى ذلك، لأن والديه لا يجدان له وقتا!
الوقت يمضي، والتربية نعمة من الله وأمانة في أعناقنا لابد أن نحسنها، لذلك يجب علينا تعهد أبنائنا والحرص على تربيتهم وتقويم سلوكياتهم.
ومن الأساليب التربوية الناجعة، تحين الأوقات المناسبة التي يكون فيها الابن أكثر استعدادا لتقبل التوجيهات والنصائح اقتداء بهدي سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم حيث كان دقيق النظر يختار الوقت المناسب الذي تكون فيه القلوب مقبلة والآذان مصغية ليوجه الصبيان لما فيه صلاحهم
من بين الأوقات التي يمكن اغتنامها:
على مائدة الطعام
فكثير من الآباء ينشغلون بمشاكلهم والحديث عنهاا دون اعتبار لوجود الأبناء معهم ساعة الطعام، فيضيعون فرصة ثمينة للتقرب من أبنائهم، والأولى أن يجلسوا معهم جلسة حب ومودة وشوق ويجعلون من الحوار وسيلتهم لتبليغ المراد على ألا يكون محور الحديث دائما هو الدراسة، بل مثلا محاولة معرفة آرائهم وأفكارهم حول أمرما أوميولاتهم التي تعرفنا بشخصياتهم أو فقط التصابي معهم بالطرائف . وقد يستفاد من هذا الوقت أيضا في تعليمهم ذوقيات وأداب الأكل، فرسولنا الكريم أكل مع الأطفال وشاهد مجموعة من الأخطاء وصححها بلطف، عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت يدي تطيش في الصحفة ،" فقال لي يا غلام ...سم الله ،وكل بيمينك، وكل مما يليك" . فمازالت طعمتي بعد.
وقت اللعب
لعله من الأوقات السانحة أيضا حيث يكون فيه الأطفال أكثر استجابة للتوجيه.
والكلمة السحرية في هذا الباب هي مشاركة الأبناء في اللعب، فقد كان رسولنا الحبيب يركب الحسن والحسين على ظهره ويلعب معهما.
وقت النزهة
الطبيعة والهواء النقي تجعل نفوس الابناء أكثر انشراحا وأكثر ليونة، فيستمعون إلى آبائهم بكل جوارحهم، ولن يتم ذلك إلا إذا استشعروا صحبتهم لهم في جو من الود والألفة، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: " كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما ، فقال : ( يا غلام ، إني أُعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سأَلت فاسأَل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأُمة لو اجتمعت على أَن ينفعـوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف ). رواه الترمذي وقال : " حديث حسن صحيح ".
أثناء العطل
كثير من الآباء يغفلون العطل ولا يحسنون استثمارها، بل إن بعضهم يضجرون منها لأن الأبناء سيقضون معهم وقتا طويلا، فالعطل لا تعني الفوضى وتضييع الوقت. فما عليهم فعله هو وضع برامج ترفيهية ورياضية - من قبيل رياضة السباحة والمسابقات العائلية كلعبة فك الألغاز- تحقق لأبنائهم المتعة والاستجمام وتساعدهم على تنمية قدراتهم العقلية والجسمية لاكتساب مهارات جديدة ،وهكذا يجد الأطفال أنفسهم قد اكتسبوا أشياء جديدة، ويستحسن وضع محفزات لتطبيق البرنامج كتتويجهم بهدايا وإقامة حفلة في آخر العطلة .
لا يكفي أبدا أن نقول لأبنائنا أننا نحبهم ونحن لا نجد وقتا نقضيه معهم لنسج علاقة ود ومحبة وحنان. فجلوسنا وتحاورنا معهم حول ما يتعلق بحياتهم داخل المدرسة أو خارجها، سيشعرهم بقيمتهم وينمي فيهم احترامهم لأنفسهم ويجعلهم أكثر إجابية في التعامل مع المحيط العائلي والمدرسي.
إن القلوب تدبر وتقبل، فإن أحسن الآباء توجيه أبنائهم بالحكمة واللين، مع تحيُّن الوقت المناسب لزرع بذرة الإيمان وتعهدها بالتربية الصالحة فإنهم سيحققون فوزا كبيرا.