ذة.ادريسية هيلام
كثير من الآباء يعتبرون اللعب عند الطفل مجرد ضياع للوقت، ولا يتيحون لأبنائهم الفرصة لذلك. فيحرمونهم ويحسبون أنهم يحسنون صنعا.إن هؤلاء لا يدركون قيمة اللعب الحقيقية، والدور الفعال الذي يلعبه في مساعدة الطفل على النمو وصقل مواهبه.
فاللعب شيء ضروري في حياة الطفل، وعامل أساسي في توازنه النفسي، وفي تعرفه على العالم. كما أنه صيغة للتعبير عن ذاته، ففي اللعب ساحة سحرية يكتشف فيها الطفل ذاته وينمي قدراته، فيتعلم ويبني شخصيته.
اللعب مهنة الطفل
يجمع الباحثون وعلماء النفس والتربويون على أن أهم شيء في حياة الطفل هو اللعب، حتى ليقال أن اللعب مهنة الطفل، يكتسب من خلاله معظم خبراته، وينمي قدراته ويصقل فيه كل مواهبه. لذلك وجب على الوالدين والمربين والمدرسين خلق الأجواء المناسبة لتنشيط الأطفال وتقديم جميع الأنشطة في قالب ميزته الحيوية والنشاط، لأن الطفل لا يقبل دون ذلك وإلا فقد نخبط خبط عشواء.
الإرشاد باللعب
تعتبر الألعاب التربوية بصفة عامة من أنسب وأنجع طرق التربية وغرس الأخلاق النبيلة والإرشاد النفسي للأطفال، لأن هذا الأسلوب يقدم الجرعة الإرشادية في قالب محبب إلى الطفل، ينفذ إلى وجدانه ويتعلم من خلاله المفاهيم المطلوبة ويتحلى بالأخلاق المرغوبة، ولا أحد ينكر هذا خاصة ممن لهم علاقة بمجال الطفل.
اللعب والتعلم..أية علاقة؟
إن عقل الطفل يعمل وينشط مع اللعب، فكلما كان الطفل منشرح النفس غير مقيد، كلما زاد عقله انفتاحا ونشاطا، خاصة إذا شاركه في ذلك من هم أعز إلى نفسه - والديه - وقد يحدث ذلك بشكل غير ملحوظ مثلما يحدث في الأفعال غير الإرادية التي لا تقع تحت سيطرة التفكير.
وجميع الألعاب تعتبر أساسية بالنسبة لتطور قدرات الطفل، وكلما ركز خلال لعبة ما، فإن شحنات كهربائية صغيرة تعبر المخ وتنشط الترابطات بين خلايا الدماغ.
لقد صدق ابن خلدون في قولته الشهيرة:"علموا الأطفال وهم يلعبون" ذلك أن اللعب يجعل الطفل يقبل أي نشاط ويستوعبه كيفما كان نوعه، ويحس فيه بالطمأنينة والحيوية، ويشجعه على النجاح في جميع الأعمال التي يقوم بها، كما يجنبه الملل والوضعيات الصعبة المؤثرة.
ولعل الوسائل الحديثة، خاصة منها تكنولوجيا الإعلام المتعددة تؤكد ضرورة التعلم عبر اللعب لما لهذه الطريقة من نتائج قريبة المدى وسريعة التحقق.
هل تلعبون مع أبنائكم؟
ليس لدي وقت...أنا مرهقة...أنا مرهق...أريد أن أرتاح...أغلق علي الباب...ادخل غرفتك والعب بلعبك...
هذه أجوبة يبرر بها الأب أو الأم عدم رغبتهما في اللعب- أو حتى الحديث - مع ابنهما حين يرغب هو في ذلك، دون النظر إلى ما وراء ذلك من عواقب نفسية مؤثرة على هذا الابن الذي يظل طوال يومه في روض الأطفال، أو المدرسة أو مع أحد إخوته في البيت...
إن الطفل مهما بلغ سنه لا يجد عوضا عن أمه وأبيه، ولا يشبع من اللعب، لأن هذا الأخير هو دنياه وملاذه، بل عالمه وحياته، بدونه لا يمكن أن يسمى طفلا. وأسعد اللحظات هي تلك التي يعيشها الطفل مع لعبة يحادثها...يبعثرها...يفككها ويعيد تركيبها، يتعلم منها ويحبها.
إن مسؤولية الأب والأم تجاه أطفالهما أكبر بكثير من مجرد إطعامهم وكسوتهم وتلبية حاجاتهم المادية. فالطفل يحب المرح واللعب أكثر مما هو مادي، لذلك نراه يأكل وهو يلعب، يقرأ ويكتب وهو يلعب، إلى أن يدخل فراشه وهو يلعب. فاللعب خاصية مرحلته.
ماذا يحصل أثناء المداعبة واللعب مع الطفل؟
قبل الإجابة عن السؤال لابد أولا أن نشير إلى شروط اللعب مع الطفل، والتي نستشفها من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من كان له صبي فليتصابى له " حيث يجب أن ينزل الأبوين منزلة الصغار لتلبية حاجيات الطفل والتجاوب معه.
الطفل يحب والديه، ويميل أكثر إلى أمه، وهذا أمر طبيعي بحكم فترة الاحتضان وسنوات الرضاعة، لذلك تراه يبحث عنها في كل مكان، ويود أن تجالسه في كل حين...
ويزداد تعلق الطفل بأبويه أكثر إذا كانا يشاركانه اللعب ويداعبانه، وهذا يعود بالنفع أيضا على الوالدين، حيث يفتح لهما فرصة التواصل والتحاور مع ابنهما، فيتعرفان عليه أكثر ويكتشفان فيه مواهب وقدرات بفضل التواصل عبر اللعب.
واحتراما لرغبة الطفل، وجب على الأم والأب أن لا يغلقا هذا الباب في وجه الطفل، بل يفسحان المجال لذلك كلما أتيحت الفرصة ... اللعب ولا شك هو أكثر من مجرد ترويح وعبث، بل هو تعلم واكتشاف.